الحب الممنوع- صراع بين النور والظلام في مجتمعاتنا

المؤلف: أسامة يماني10.06.2025
الحب الممنوع- صراع بين النور والظلام في مجتمعاتنا

في مقال للأستاذ نجيب يماني، الكاتب اللامع في صحيفة «عكاظ»، تناول موضوع الحب بمقدمة آسرة وشعرٍ بديع يلامس شغاف القلب، وبطرح موضوعي يختتمه ببيت شعري للشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن -رحمه الله-، قائلاً:

أبعتذر.. عن كل شي

... إلا الهوى

... ما للهوى عندي عذر

أعاد مقال الأستاذ نجيب يماني إلى الذاكرة القريبة منعطفاً تاريخياً، حينما كان بيع الزهور والورود القرمزية ضرباً من المحظورات القطعية، الأمر الذي استدعى استنفار بعض المنتسبين إلى الصحوة وعدد من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للتأهب والتصدي لبيعها في محال الورود، والقبض على كل من تجرأ على بيع هذه الوردة الحمراء «المحرمة» و«المجرمة»، بهدف منع تبادلها بين المحبين. فالحب في معجمهم يشكل خطراً داهماً لا ينبغي أن تنتشر أريجه، وأمراً بغيضاً لا يجوز أن يراه الناشئة، وتهديداً جسيماً يتربص بالمفاهيم التي رسخوها في المجتمع، وأحكاماً أذاعوها ونشروها تجرّم وتحرّم أي إشارة إلى الحب والود والوئام. فالوردة الحمراء في تصورهم جرس إنذار يدوي لإسقاط صرح الكراهية الذي بشروا به أتباعهم، عبر «خصوصية» نادوا بها ودافعوا عنها بكل ما أوتوا من قوة.

وكيف استغل بعض الخطباء المنابر الدعوية التي يرتقونها للترويج لفكر التكفير أو التبديع لكل من يخالفهم الرأي، حتى في الأمور اليسيرة كإهداء الورود الحمراء في مناسبة عيد الحب أو في أي مناسبة أخرى. هذا الفكر لا يزال متجذراً ومسيطراً على عقول فئة من الناس يرفضون مسايرة التطور، ولا يريدون لعجلة الزمان والحياة أن تدور، لأنهم لا يرون في الفن إبداعاً، ولا يجدون في البهجة والسرور متعة أو ترفيهاً. إنهم ينتمون إلى نفس المدرسة التي أقدمت على تحريم الرياضة على المرأة، وعرقلة تعليمها، وسعت جاهدة لإبقائها أسيرة حبيسة الجدران.

هذه المدرسة الفكرية المظلمة ما زال لها أنصار ومريدون يلجأون إلى أساليب البكاء والعويل، وينعتون معظم الفنون بأنها تبعث على القشعريرة في الأبدان وتزلزل القلوب. تأمل كيف يستغل بعض هؤلاء وصف الله جل وعلا لأهوال يوم القيامة لإنكار أمور حياتية بهذه الصورة الشنيعة! هذا الغلو والتطرف لا تزال مجتمعاتنا الإسلامية تعاني من ويلاته، بالإضافة إلى التعصب والكراهية، وكل ذلك ما هو إلا نتاج لتلك التشنجات التي ما زلنا نلمس آثارها في بعض أحاديثهم، وفي بعض المجالس والمدارس وقنوات التواصل الاجتماعي. فالبكاء والصراخ واستثارة مشاعر الجماهير هي من الأسلحة التي تتقن استخدامها هذه المدرسة الظلامية، والتي تركت بصماتها على وعي وإدراك الكثيرين. لذا، فإننا في أمس الحاجة إلى حملة توعوية شاملة ونقد بناء لهذا الفكر المتطرف حتى نتمكن من اجتثاثه من مجتمعاتنا الإسلامية.

إن استبدال الخطاب التحريضي المتطرف الذي تبنته الجماعات الظلامية بخطاب قوامه المسؤولية والوعي بالواجبات والقيم الأخلاقية النبيلة، سيحصن المجتمعات ضد براثن الظلامية التي تسعى جاهدة إلى مصادرة الفكر. إن تعزيز التوعية المجتمعية، وتشجيع النقد البناء، ومراجعة الآليات التي يستخدمها الظلاميون، وإجراء الدراسات المعمقة لتجنب تكرار الأخطاء، كل ذلك كفيل بإخراجنا من الدائرة المفرغة التي نعاني فيها من تبعات هذا الفكر الذي استوطن وترسخ في المجتمعات العربية والإسلامية، وقوض أركان الجمال فيها.

إن ممارسة الحياة بكل ما فيها من أفراح وبهجة وحب وإقبال، يجب أن تكون في كنف أنظمة وقوانين تجرّم وتحظر كل من يهدد حق الإنسان والمجتمع في العيش بأمان واطمئنان، بعيداً عن خطابات الكراهية ومنابر الصخب والعويل وإثارة الفتن والنعرات والتحريض على الكراهية والتجريم والظلام. لقد أدرك الغرب ودول العالم المتقدم أهمية سن التشريعات والقوانين لحماية حقوق الإنسان الأساسية، بعيداً عن التبعية المطلقة والمرجعية البشرية الزائفة باسم الدين، وتحت ستار محاربة الرذيلة التي لا تعدو كونها ستاراً يهدف إلى الهيمنة والنفوذ على حساب مصلحة الوطن والتنمية والازدهار الاقتصادي. مهما طال الزمن أو قصر، فإنه لا مكان في هذا العالم إلا للبناء والتعمير والتطوير، ومن لم يستوعب هذه الحقيقة فمصيره التهميش والنسيان، وسيتجاوزه ركب الحضارة. فالشعوب قد خُلقت لكي تتعارف وتتآلف لا للتناحر والتباغض والتعصب والادعاء بالتميز الزائف. وبالله التوفيق والسداد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة